فى ذكرى رحيله الثالثة: رجائى الميرغنى فكرة.. والفكرة لا تموت «سيرة ومسيرة»

مرت ثلاثة أعوام على رحيل الصحفى النبيل رجائى الميرغنى، فقد رحل عن دنيانا فى الثالث من يونيو عام 2020، ظل البعض لا يعرفون أن رجائى الميرغنى مع كونه صحفيًا قديرًا فإنه كان يجيد الرسم وكتابة الشعر أيضا، ورغم رحيله تظل ذكراه حاضرة بكل الخير، ومازال يحتفظ بمكانته داخل قلوب من عايشوه وخبروا نبله وثراء مسيرته، ولعل الفضل يعود أيضا فى تجدد سيرته لوجود زوجة نبيلة مثله وأصيلة مازال رجائى حيا فى قلبها وذاكرتها.

وهى السيدة خيرية شعلان، حبيبة الصحفيين وأختهم، وتقول سيرة رجائى الميرغنى إنه مولود فى محافظة المنيا فى 25 سبتمبر 1948، ومثلما ورث الأصالة عن جذوره فقد ورث التجرد والوطنية، حيث ينتمى لأسرة وطنية لها دور بارز فى تاريخ مصر، ونحن هنا نعاود التوثيق لسيرته ومسيرته وعطائه بمزيد من التفاصيل التى حصلنا عليها من مصدرها الموثوق، وهى زوجته السيدة خيرية شعلان.

ولقد تميز الميرغنى بكونه شخصية موسوعية وكذلك تميز بجانب نبوغه المهنى والصحفى بإبداعات فى مجال الشعر «الرباعيات» وكتابة القصة «أكتوبر» وممارسة النقد الأدبى، وله العديد من المقالات فى هذا المجال، وله العديد من اللوحات فى الفن التشكيلى والرسم الجرافيتى داوم على إبداعها رغم انشغالاته وهمومه السياسية والمهنية الكبيرة. والده هو الشيخ محمد الميرغنى، أحد قادة ثورة 1919 بمحافظة المنيا.

واختير عضوا فى اللجنة الوطنية التى أدارت شؤون بندر المنيا أثناء أحداث الثورة، وقد خاض الميرغنى الكبير انتخابات مجلس النواب وتصدر الدعوة إلى الأفكار الاشتراكية ضد الفقر والجهل والمرض بالمحافظة، وكان شديد الإيمان بالوحدة الوطنية، فكان يلقى خطبه فى الكنائس والمساجد على السواء، كما حصل على شهادة العالمية من الأزهر الشريف فى 3 فبراير 1938، وعمل محاميا شرعيا بعد الحصول عليها.

تخرج رجائى الميرغنى فى قسم الصحافة بجامعة القاهرة عام 1970 بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف. وقد أسهم فى الحركة الوطنية للطلاب منذ تفجرها فى فبراير 1968. وقد عمل محررا بقسم الأخبار بوكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1970، وتنقل بين مختلف إدارات التحرير، وتخصص فى الشؤون الفلسطينية والعربية، عمل نائبا لرئيس التحرير بوكالة أنباء الشرق الأوسط اعتبارا من 2007 والمسؤول عن شبكة المراسلين للوكالة داخل مصر وخارجها حتى 2013.

غلاف الكتاب

أيضا قدر لرجائى الميرغنى أن يضيف لتاريخه المشرف ملمحا آخر، وهو أنه كان أحد المشاركين فى حرب أكتوبر 1973 أثناء فترة تجنيده من 1972 إلى 1975، وقاتل ضمن صفوف اللواء 16 مشاة معركة «المزرعة الصينية» بالدفرسوار، والتى تكبد فيها العدو خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات، وأصيب بشظية مدفعية خلال هذه المعركة، وعاد لأرض المعركة مرة أخرى بعد تضميد إصابته.

ومما يذكر أنه وثق لتجربته الثرية بمشاركته فى حرب أكتوبر 1973 فى عمل روائى طويل تناول بطولات الإنسان المصرى فى هذه الحرب وتحقيقه النصر، وقد نشرت فصول منها فى الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعى فى مناسبات ذكرى أكتوبر خلال السنوات السابقة. قاد رجائى مع زملائه بالوكالة حملة رفض إلحاق الوكالة بوزارة الإعلام عام 1984، والتى انتهت بإعلان الحكومة تخليها عن هذا المخطط.

وقد عمل مديرا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط فى العاصمة اليمنية صنعاء، خلال الفترة من 1988 إلى 1992. إلى أن انخرط فى العمل النقابى منذ عام 1980، وشارك فى مختلف معارك الدفاع عن حرية الصحافة واستقلال النقابة. وقد انتخب رجائى عضوا فى مجلس نقابة الصحفيين لدورتين متتاليتين لمدة 8 سنوات، بدءا من عام ١٩٩٥ وحتى عام ٢٠٠٣، فكانت الدورة الأولى من 1995 - 1999.

حيث تميز بإسهامه الفكرى والقانونى فى التصدى لقانون اغتيال حرية الصحافة «93» لسنة 1995، كما شغل منصب وكيل أول مجلس النقابة خلال الدورة من عام ١٩٩٩ وحتى 2000 واختير وكيلا أول للنقابة ورئيسا للجنة القيد. وقد أسهم ضمن لجنة صحفية قانونية ضمت الأساتذة أحمد نبيل الهلالى، والمستشار سعيد الجمل، والدكتور نور فرحات وحسين عبدالرازق ومجدى مهنا فى صياغة إعداد «مشروع قانون الصحافة» فى مواجهة مشروع القانون الحكومى إبان أزمة القانون «93».

من لوحات رجائى الميرغنى

وشارك مع الزميلين صلاح الدين حافظ وحسين عبدالرازق فى صياغة مشروع ميثاق الشرف الصحفى الذى أقرته الجمعية العمومية فى يونيو 1996. كما تولى مسؤولية الحفاظ على تراث النقابة من الدوريات التى يرجع بعضها لزمن الثورة العرابية، وكذلك الكتب القديمة والتاريخية التى ضمتها مكتبة النقابة.

وقام الميرغنى بمساعدة أساتذة من كلية الفنون الجميلة بفك ونقل جدارية الفنان «فتحى محمود» التى كانت تزين مدخل مبنى النقابة القديم، وصيانتها والحفاظ عليها بالمقر المؤقت للنقابة بالأزبكية حتى تمت إعادتها إلى المبنى الحالى وتركيبها فى قاعة الاجتماعات الرئيسية بالدور الرابع بالنقابة.

أسهم رجائى فى تطوير إجراءات القيد واعتماد معايير موضوعية للعضوية، والتى كانت تعتمد على أساليب غير مناسبة للقيد بهذه النقابة العريقة، وكان أبرزها نظام «الكوتة» فى اختيار الأعضاء بديلا عن المعايير المهنية والصحفية السليمة.

كما شارك فى لجنة الإشراف على إنشاء واستلام مبنى النقابة الجديدة، وتحديث النظام الإدارى والخدمات المقدمة للأعضاء. وأسهم فى أعمال اللجنة المكلفة بإعداد مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، والتى أشرف عليها الدكتور أسامة الغزالى حرب، ورأسها المستشار عوض المر، رئيس المحكمة الدستورية الأسبق.

اختير «الميرغنى» أمينًا عامًا مساعدًا للجنة الدائمة للحريات باتحاد الصحفيين العرب عام 2001، وحصل على ميدالية الاتحاد فى يوبيله الذهبى تقديرا لجهوده. كما اختارته اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام الرابع للصحفيين، برئاسة النقيب جلال عارف، أمينا عاما للمؤتمر، بمشاركة النشطاء من الجمعية العمومية خلال الفترة من 23-25 فبراير 2004، وكان من أهم المؤتمرات العامة للصحفيين بما خلص إليه من نتائج وأبحاث ودراسات كانت الأولى فى تاريخ هذه المؤتمرات.

وقد شارك فى المؤتمر التأسيسى للمنظمة العربية لحرية الصحافة الذى عقد فى لندن عام 2000. كما اختارته لجنة تفعيل ميثاق الشرف الصحفى مقررا لأعمالها فى يونيو 2007. وأعد كتاب «الصحفيون فى مواجهة القانون 1993»، الذى صدر عن مؤسسة دار الهلال. وفى عام 2005 نشر كتاب «نقابة الصحفيين» ضمن سلسلة النقابات المهنية التى يشرف عليها مركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الأهرام.

من لوحات رجائى الميرغنى

ولرجائى الميرغنى عدد كبير من الأحاديث الإذاعية والتليفزيونية والمقالات والدراسات المنشورة بمختلف الدوريات والصحف والمواقع الصحفية حول قضايا الصحافة والتطور السياسى والنقابى وحصاد المؤتمرات العامة للصحفيين. وكان له عمود أسبوعى ثابت فى جريدة البديل اليومية بعنوان «قاب قوسين» خلال الفترة (2008-2009). وكرمته الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ضمن 34 شخصية عامة أسهمت فى تعزيز جهود التحول الديمقراطى خلال العقد الأول من الألفية الثالثة (2010).

وكان الميرغنى فى ديسمبر 2014 قد حصل على درع الشهيدة ميادة أشرف لـ»حرية الصحافة» من الاتحاد العربى للصحافة الإلكترونية، بالتعاون مع نقابة الصحفيين الإلكترونى، فى ختام أعمال المنتدى الرابع للصحافة الإلكترونية، تقديرًا لجهوده فى العمل الإعلامى ومناصرة الحريات، بالإضافة إلى جهوده فى وضع التشريعات الإعلامية والصحفية فى مصر على مدار العقود الماضية.

كما أهدته جامعة الأهرام الكندية درعها عام 2013 عن دوره فى الدعم الأكاديمى لطلاب كلية الإعلام بالجامعة. وقد شارك فى مراجعة ومناقشة العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة فى الجامعات المختلفة وكلية الإعلام بجامعة القاهرة. واختارته نقابة الصحفيين كمحكم فى مسابقات التميز الصحفى لسنوات طويلة لعدد من فروع المهنة وحظيت ملاحظاته بالإسهام فى تطوير لائحة تنظيم المسابقة.

ونال الميرغنى العديد من الأوسمة والدروع وشهادات التقدير من مؤسسات وهيئات مدنية وصحفية لدوره البارز فى أنشطة المجتمع المدنى المتصلة بقضايا حرية التعبير والصحافة وتطوير الإعلام وتكريما لمشواره النقابى والصحفى المتميز وانحيازه لحرية الصحافة والدفاع عن حق التعبير والنشر. وقد شارك مع النقابة فى توثيق العلاقات النقابية المصرية/ العربية بما أسهم فى إيجاد تواصل وتعاون فى القضايا والهموم العربية المشتركة وتقديم خبرات النقابة المصرية لإشقائها العرب على كافة المستويات.

تولى رجائى الميرغنى منصب المنسق العام للائتلاف الوطنى لحرية الإعلام، الذى شارك فى تأسيسه فى أعقاب ثورة 25 يناير (إبريل 2011)، وهو إطار ديمقراطى يستهدف تجميع وتنسيق جهود منظمات مجتمع مدنى وناشطين إعلاميين مهتمين بتطوير الإعلام المصرى على قاعدة الاستقلال عن مختلف أشكال التبعية والاحتواء الحكومى والسياسى والاقتصادى. وفى سنة 2012 أعد خطة مفصلة لإنشاء هيئة وطنية للتنظيم الذاتى للصحافة ووسائل الإعلام المصرية.

بالتنسيق بين نقابة الصحفيين ومكتب اليونسكو بالقاهرة، تعد الأولى فى مجالها فى مصر، لإيمانه بضرورة تكوين هيئة مستقلة للإعلام غير تابعة للدولة، وتكون كل الصحف والمنظمات الإعلامية مرتبطة بهذه الهيئة، وتابع من أجل ذلك تجارب الدول التى أسست هذه الهيئة، والتى تبلغ أكثر من 80 هيئة حول العالم، كما نظم عددا من ورش العمل فى نقابة الصحفيين وبعض المؤسسات الصحفية للتدريب على هذا النظام.

بقى القول أن رجائى الميرغنى متزوج من خيرية شعلان الصحفية منذ 1985، ووالد الإعلامية سوسنة الميرغنى والمهندس حاتم الميرغنى، وحظى بثلاثة أحفاد، فرحة وآدم خزعل ونالا محبته وتمتعا بصحبته الرقيقة الدافئة وترك فيهما لمساته الفنية والإنسانية الرفيعة، وشاء القدر أن يصل حفيده الثالث نبيل حاتم بعد رحيله فى 3 يونيو 2020.

2023-06-07T01:45:11Z dg43tfdfdgfd