رياء

لبس أرفع ملابسه ثمنا وتعطر ومشط لحيته الملقاة على بطنه وتأبط سجادة من النوع النادر وتخير أجمل سياراته وأكبرها علوا وعرضا وأغلاها ثمنا ثم قصد المسجد الكبير، والمسجد على بعد ألف متر من قصره الواسع. خرج متأخرا قليلا عن المعتاد فاندهش من العدد الكبير من المركبات التي اصطفت على جوانب الطرق البعيدة والقريبة منه. دار دورتين كاملتين دون أن يجد مكانا يركن فيه عربته. وجد بعض الأماكن لكنها كانت ضيقة. عاد إلى الدوران دون فائدة، انتظر أن تخرج سيارة من مكان ما فخاب أمله، أفهمه حراس السيارات أن جميع السائقين يوجدون بالمسجد. بدأ الغضب يظهر على وجهه ويتسرب إلى لسانه، فأخذ يلعن ويسب، أحيانا بمعجم لا يليق بلحيته ولا بهذا اليوم المبارك. عاد إلى البحث وهو يلعن ويسب، ثم عزم على التهور، فركن سيارته العريضة أمام باب مرآب عمارة، ثم هرول نحو المسجد لعله يلحق الخطبة، خطبة إمام شهير يأتيه الناس من كل مكان. من شهرته يرحل معه عاشقوه أينما ذهب إذا اضطر إلى تغيير المساجد، كأن المصلين زبائنُ مخلصون له. بحث بين الصفوف فلم يجد مكانا يتسع لفأر صغير، وهو تبارك الله طويل القامة عريض المنكبين ممتلئ القفا فائض الكرش. سقطت عينه على حارس فيللا مجاورة له واقفا في الصف الأول فقصده ثم همس في أذنه، فانحنى الرجل موافقا برأسه منحنيا كأنه يشكر صاحب اللحية الطويلة على هدية ما، ثم اختفى بين الناس في الصفوف الأخيرة.

بدأ الإمام خطبته بنقد لاذع للمنافقين الذين يتشددون في العبادات ويهملون المعاملات، وقال إن الذي يجد الأذى في الطريق فيتراخى عن إماطته لا يقبل الله منه ألف صلاة، لأنه ارتكب معصية كبرى، ومضى يعد أخلاق المنافقين ونعوتهم وصفاتهم وما ينتظرهم من عقاب عند الله. ظهر أن الرجل ذو اللحية الطويلة تأثر بكلام الإمام لأنه من زبائنه ومن أكثر الناس عشقا لخطبه، بدأ يبكي وهو يسمع ما أعد الله من عذاب للمنافقين والذين يعبدون الله رياء، تبللت لحيته وأصابت صدره بماء كثير من الخشوع والتبتل. نظر إليه المصلون القريبون منه يغبطونه ويواسونه بعيونهم الحزينة وتنهداتهم المسموعة، ومنهم من أصابته عدوى البكاء فطفق يبكي كطفل صغير.

خارج المسجد، أمام الباب الرئيس سُمع صوت يقترب، يصرخ كأنه ينادي بإلحاح، وحين اقترب أكثر، غطى على صوت الخطيب، فأخذ المصلون يلتفتون منزعجين مستنكرين، متطلعين نحو الصوت ليفهموا ما الذي يحدث، فاضطر الخطيب إلى وقف خطبته. فجاء الصوت واضحا سمعه الجميع:

– شكون مول “الرانج روفر” الله يرحم الوالدين راه ساد الطريق على واحد لَمْرا حاملة غادي تولد.

فخرج الرجل الطويل العريض السمين ذو اللحية العظيمة من الصفوف غاضبا فهجم على صاحب الصوت وأخذ يلكمه ويركله حتى فقد وعيه قائلا:

– هاذ الشي علاش آلجاهل بن الجاهل قطعتي لينا الصلاة، ما عارفش فضل صلاة الجمعة وقيمتها عند الله.

ثم رجع إلى الصف مستغفرا مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم.

نظر الإمام إلى الناس منتظرا هدوءهم ثم قال بحزم:

– أقسم بالله العظيم أن صلاتنا لاغية إذا بقي بيننا رجل مثل هذا الذي يرتكب المعصية من أجل أن يربح الحسنة، ألا لعنة الله عليه إلى يوم الدين.

فنظر الناس إلى بعضهم البعض متعجبين ببراءة لكنهم قالوا جميعا:

– الله ينعلو ويخزيه.

ولم يتحرك أحد، فابتسم الإمام ومسح المصلين بعينين ساخرتين وما كاد يتكلم حتى انفصل سبعة رجال من الصف الأخير ثم خرجوا. رجع الإمام إلى صمته ناظرا إلى الأرض كأنه يعدّ كلاما مناسبا لهذا المقام. وفجأة رجع الرجال السبعة إلى المسجد ثم قال أحدهم للإمام:

– صافي راه حيدناها آنعاماس من قدام الكراج!

فقال الإمام:

– ياك ما سديتو بها شي طريق اخرى؟

فقال أطولهم وأصلبهم:

– لا نعامس، راه رميناها فالزبالة للي حدا الباركينغ.

The post رياء appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.

2024-06-11T12:32:59Z dg43tfdfdgfd